التخطي إلى المحتوى الرئيسي

القدوة الحسنة والشهرة السريعة

 القدوة الحسنة والشهرة السريعة

القدوة الحسنة والشهرة السريعة


١٠٠ ألف منقطع عن التعليم في تونس سنويا رقم مفزع إذا ما قرن بأسباب أخرى ومنها خاصة غياب الطموح الدراسي والنظرة السوداوية للشهادات العلمية التي أصبحت عبئا على حاملها ومنه انطلق الشباب في تحصيل الشهرة والاقتداء بعالم الافتراضيين الشاسع.

 

إن التطور السريع للعالم وخاصة التكنولوجي منه جعل من طريق الشهرة طريقا قصيرا واستسهله الجميع لبلوغ الأضواء الساطعة والبرهجة اللامعة وهذا ما أثر على الجيل الصاعد الذي رأى فيها طريقا مختصرة وهدفا سريع التحقق على عكس الارتقاء العلمي والنبوغ الفكري ولئن كان الإبداع ضرورة ثقافية وحضارية فإن تتفيهه وترذيله يعبر عن ثقافة منتكسة وقاصرة عن انتاج القيمة. 


في تونس الحرية انتشرت الوسائط الاجتماعية بعد ملحمة ٢٠١١ لينعم الشعب بحرية تامة جسدتها طفرة في الانتاج الفني واكتساح عالم اليوتوبرز والمدونين والفنانين للمجال الثقافي وبما أن هذه المنصات سريعة الانتشار كان بروزهم صاروخيا وشهرتهم واسعة مما حدى بالجيل الأقل سنا تتبع خطواتهم وجعلهم قدوات ومقامات يريدون وصولها ومما زادة في الطينة بلة أن الدولة لم توفر لهذا الجيل أي أفق للدراسة والرغبة في التحصيل العلمي أو الثقافي الصالح وأصبحت تتهدده أمية مقيتة جراء كره استشرى في قلبه تجاه المدرسة والمعهد وهو ما يظهر الآن في هذه الفترة التي ينفذ فيها الاداريون اضرابهم والتي جعلها التلامذة فترة راحة وهرب دون مساءلة لأن دفاتر المناداة التي تجبرهم على الحضور لا تتوفر. 


وبما أن البطالة استشرت في صفوف أصحاب الشهائد والمتكونين في مختلف مراحل التكوين المهني يرى هذا الجيل أن المدرسة لم تعد توفر له القابس والقادح لحلم جميل وانما أصبحت تهدد حياته المستقبلية بالبطالة والجنوح للمقاهي والشوارع وهو ما زاد في تعقيد الوضع وجعل من أقسام الاساتذة بؤرا للهيجان والتوتر والانفلات. 


القدوة الحسنة والشهرة السريعة


وبسبب هذه المعطيات التي ذكرت وسرعة الوصول عبر منصات التواصل أصبح الجيل مهددا باتباع قدوات سيئة لا تزيده في ثقافة أو قيمة وانما تشجعه على استهلاك المخدرات والسكر والتلفظ بالألفاظ البذيئة وكتابة أغان لا ذوق فني ولا طاقات ابداعية تصرف فيها ونذكر هنا أحدهم تحصل على صفر فاصل ثمانية وثلاثون في معدل الباكالوريا والآن يحصل دخلا شهريا بآلاف الدنانير من الألعاب الالكترونية والبث المباشر دون تقديم أي إضافة حقيقية لمتابعيه، فقط تهريج وكلام بذيء.


ولسنا ننكر إذ نتحدث على التدوين الرقمي أو المسجل صوتا وصورة أن هناك أسماء وازنة في هذا المجال وأن ما يقدموه فيه قيمة مضافة للفرد وأن اتباع هؤلاء والاقتداء بهم سيجعل من النشء أفرادا ذووا طاقات مبهرة ولكن الأغلب ممن يظهرون في وسائل الاعلام ويحتكرون المشهد هم من ذوي الثقافة الضحلة والمهترئة وهؤلاء هم من ينسج جيل اليوم على مناويلهم . 


إن غياب الرؤية في أعلى هرم السلطة وغياب دور الأولياء اذ أنهم يشجعون بصمتهم وعدم اهتمامهم وبسلبيتهم في تدخلاتهم مع أطفالهم سيصنع لنا جيلا متفسخا لا قيمة فكرية وحضارية له وهذا يهدد كياننا كدولة وكحضارة ضاربة في القدم ويجعلنا عرضة لغزو ثقافي سريع لا معترض عليه ولا مبال بتغلغله داخل مجتمعنا وهو ما يجعلنا في مهب رياح الحضارة العالمية كذرات من تراب لا نمتلك قدرة على المقاومة ولا المواجهة.

___________________________________________________بلال عرباوي ٢٠٢١/٠١/٢٦

تعليقات

  1. نص في غاية الروعة ، احسنت النشر 💚

    ردحذف
    الردود
    1. سلمت يا غالي. ملاحظتك تزيدنا حماس للكتابة أكثر

      حذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مهما بعدنا ما تغيرناش الأيام

  مهما بعدنا ما تغيرناش الأيام هكذا يرى البعض، يرى أن الود يبقى قائما كما البداية وحرارة المشاعر تبقى كما نشأت أول مرة، يرى أن الأيام تمسح على رؤوسنا دون أن تحدث في روابط علاقتنا شروخا أو كسورا مستدامة.  ولكن هل فعلا يبقى الود كما نشأ؟  القلوب هذه المضغ المتقلبة التي يدعو البشر ربه ليثبتها على دينه هل تراها تبقى بذات حرارتها تجاه البشر؟ هل تراها تبقى بعنفوان محبتها وقوة ارتباطها وهي التي تتقبل ضربات الأيام المتتالية وهزائمها المتكررة وتنزف في صمت حين تكسرها الخطوب وتبكي دون دموع حين تعضها المشاكل فهل تبقى كما كانت؟  البشري هو الكائن الوحيد الذي يقدر على محو علاقاته واعادة بنائها، هو الكائن الوحيد الذي يحبك اليوم ولكن حين تنطفئ حرارة حبه يستلك من جراب فؤاده ويلقيك لسلة الأيام ولا تبقى غير صور وأقوال يتذكر بها وجودك أما الحب فتطمره اللامبالاة والخيانة والبرود والكذب وغيرها ويتحول شيئا فشيئا لغبار ذكرى وأشرطة صور مخزنة في رفوف قصية. ستعركنا الأيام، نتغير مع كل حادث يجد في حياتنا، مع كل ضربة جديدة في قلوبنا نسلخ معها جلدنا القديم لنكون أقوى ولكننا في تغييرنا هذا ننزع عنا ما حملناه رويدا رو

كفيل

  كفيل انتشرت في السنوات الأخيرة في العالم العربي منصات العمل الحر وأخذت صداها بسبب اتجاه الشباب العاطل عن العمل إليها كحل بديل للوظائف التقليدية واعتبارها الملاذ الكفيل بكسر طوق البطالة عنه.. وقد اشتهر بعضها كمنصات أولى في العالم العربي وفرت ما يبحث عنه باعة الخدمات ولكن في السنوات الأخيرة ظهرت منصات جديدة تضاهي الأولى من حيث الجودة وسلاسة الاستخدام. ونذكر هنا منصة كفيل التي بدأت في أخذ الصدى المناسب لها وتوسع نطاق استخدامها والاهتمام باستعمالها من قبل طالبي الخدمات والباعة على حد السواء. منصة كفيل هي منصة للخدمات المصغرة سعودية المنشأ وعربية اللغة والخدمات فتحت بابا جديدا أمام بائعي الخدمات المصغرة لتحصيل عمولات وإيجاد سوق عمل أخرى إضافة للأسواق القديمة في منصات بيع الخدمات المصغرة القديمة. كيفية العمل في منصة كفيل ليس أسهل من العمل في منصة كفيل فالمطلوب منك هنا أن تكون لديك مهارة تقدمها كخدمة مصغرة وتشارك في منصة كفيل كمستقل أو بائع خدمات مصغّرة. أولا عليك التسجيل في منصة كفيل وهذا سهل جدا فما عليك سوى الدخول للمنصة وتسجيل بياناتك الشخصية وكتابة نبذة تعريفية عنك تساعد الباحثين

التقاط جن الكتابة

  التقاط جن الكتابة أردت أن أكتب هذه الليلة، هناك قوة تدفعني للقلم ولكنني لا أملك موضوعا لذلك، كتبت نصف قصيدة ولمّا أحسست أنني أكابد في استكمالها  ضغطت على زر الالغاء، يبدو أن الشعر أصبح عسيرا عليّ هذه المدة. لم تنصفني مشاعري منذ زمن لكتابة بيت جيّد وأرى أن معينه بدأ يجف وفرصي لكتابته تقلصت بشكل كبير.  قرأت في إحدى المرات أن التجدد هو منبع الشعر، والبقاء مسجونا بين جدران الغرف يقلل فرص كتابته فموضوعاته تتكون من مشاهدات الشاعر وبالمكوث حبيسا  في غرفتك ستذبل طاقتك الكتابية وينضب معينك الذي تنهل منه ويخبو إلهامك الذي تستدر منه الكلمات وأظن أن هذا الكلام ينطبق على حالتي الآن.  قبل قليل كنت منتش بشعور مفاجئ جعلني أمد هاتفي للامساك بتلابيبه وصبه في قصيد ولكنه لم يطاوعني وسرعان ما جافاني ليبقى أثره فقط يتردد بين قلبي وشراييني.  عادة، لا أكتب الشعر إلا حين أحس بتلك الوخزة اللذيذة تتكون في أطرافي، كتكوّن سحابة ممطرة تبدأ بالقليل القليل ثم تتجمع وتعم أرجاء السماء وحين تمتلأ بالماء تصب خزائنها على أرضي.  أما نشوتي تلك التي تعترني قبل الكتابة ولا تنتهي إلا بانتهاء دفق الكلمات حيث أسكبها في دفتري ا