التخطي إلى المحتوى الرئيسي

في مواجهة نفسي

 في مواجهة نفسي

في مواجهة نفسي


تتساءل صديقة افتراضية ماذا لو التقيت نفسك ماذا ستفعل أو ستقول؟
في البداية أجبتها مازحا "حتى ألقاها وسأعلمك بما دار بيننا" ولكنها لم تكتف باجابة عادية أرادت إجابة كاتب وخاطبت الخيال فيّ، "أنت مبدع ألك أن تتخيل اللقاء أم أنك مشغول؟"

لم يكن السؤال في البداية محركا أو قادحا لملكة الكتابة عندي ولكن عندما مسكت قلمي ودفتري قفز أمامي من جديد وسألت نفسي ماذا لو التقيت بي؟
هل تتخيلون معي؟! أنتم وأنفسكم وجها لوجه، وكأنكم تواجهون مرايا الحائط، تقفون بانبهار امام ذلك الشخص الذي هو أنتم وتحاورونه وتحاججونه، هذا ما ذهب إليه تفكيري.

أن تتعرى أمام نفسك دون نزع ملابسك، أن تكون شفافا، أن تراقب خلجاتك تدور في جسدك.. أليس هذا شعورا رائعا؟!
ماذا ستقول لنفسك أم أنك ستبقى صامتا أمام هذا المشهد المهيب؟
في الحقيقة عبث بي السؤال، هل يقدر أي شخص أن يواجه نفسه بضحكاته وفرحه، بحزنه وانكساراته؟
أن تمرر يدك على تلك الأقطاب وجروح الزمن الغادر وأن ترى نزف روحك، أن تمد يدك لتقطف ذكرى رائعة وترسم بها ضحكة على محياك ولكنها تتسرب بين أصابعك لتعيدك للواقع. كل هذا ليس هيّنا، كل هذا مؤلم بشكل كبير.

هاأناذا أتخيلني في مواجهة نفسي ولكن أي زمن قد أختاره؟! أأتخيل نفسي في الماضي أم الحاضر أم المستقبل؟
أما الحاضر فإنني أتمثله وهو صورتي الحالية وسأجد نفسي راضيا عني، نعم سيكون تفكيري هو ذاته وتجاربي الّتي أخوضها هي نفسها ورؤيتي هي ذاتها، أما المستقبل فانه زمن آخر سأخوضه بتجاربي الحالية وبما أتعلمه وما أنقحه من أفكار وما أتلافاه من أخطاء وما أستزيده من قراءات وملاحظات ولذلك لا أقدر على تصور نفسي مستقبلا هل أكون سويا أو مجنونا، معافى أو مريضا، عاقلا أو غير عاقل؟ لذلك لم يبق غير الماضي بإمكاني أن أحاور ذاتي فيه وأتمثل شخصيتي الّتي كنتها لأحادثها بشخصيتي الحاضرة.

هل تجود قريحتي بحوار مركز وإجابات دقيقة لما يعتمل في نفسي من أسئلة وجودية.
هل سأتمكن من ذلك الفراغ الذي أحسه لأسد ثغوره وأملأ فراغاته وأحشوّ نقاطه بالمعاني؟!
ليس أصعب من مواجهة نفسك، وأنت تعرف نقاط ضعفك وقوتك.. انكساراتك وخلجات قلبك، طموحاتك المحققة والأخرى التي أجلت بفعل الزمن أو الضعف أو ظرف خارجي أقوى من طاقة تحملك الانسانية.

إن الانسان الذي يجد نفسه في حوار مع ذاته، سيبدأ بالتآكل من الداخل، ستأرقه الأسئلة، ستحرمه من النوم والراحة، سيعذبه ضميره عن كل خطإ ارتكبه ماضيا، لانه يراه الآن بخبرة مكتسبة وبعقل متدبر وببرود الناظر من علو، لا الآخر المتفاعل بكل ما تحمله اللحظة من أدفاق المشاعر ومن فوضى الأحاسيس. سيجني عليه اطلاعه على ما كان قد عاشه وينهك تفكيره ويدمي قلبه من جديد خاصة اذا كان الخطأ ماثلا أمامه كلحظة وقوعه.
إن الانسان خلق بعقل متفحص وبذاكرة مخزنة للأشياء والحوادث، وذلك النسيان الذي يلعنه الكثيرون ويعتبرونه نقمة العقل البشري إنما هو منحة جنبت الإنسان تلك الوقفة أمام ذاته بكل أخطائها ومساوئها.
لست من دعاة المرور دون وقفة جادة  أمام أنفسنا لنمحص  تجاربنا وهفواتنا ولكن أدعو لوقفة سريعة لا تطيل المكوث أمام الأسئلة المتناثرة والمتكاثرة في ساعات التفكير والتداعي الحر أمام المرآة الّتي هي نفسك الأخرى.
___________________________________________________بلال عرباوي ٢٠٢١/٠٥/٠٧

تعليقات

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مهما بعدنا ما تغيرناش الأيام

  مهما بعدنا ما تغيرناش الأيام هكذا يرى البعض، يرى أن الود يبقى قائما كما البداية وحرارة المشاعر تبقى كما نشأت أول مرة، يرى أن الأيام تمسح على رؤوسنا دون أن تحدث في روابط علاقتنا شروخا أو كسورا مستدامة.  ولكن هل فعلا يبقى الود كما نشأ؟  القلوب هذه المضغ المتقلبة التي يدعو البشر ربه ليثبتها على دينه هل تراها تبقى بذات حرارتها تجاه البشر؟ هل تراها تبقى بعنفوان محبتها وقوة ارتباطها وهي التي تتقبل ضربات الأيام المتتالية وهزائمها المتكررة وتنزف في صمت حين تكسرها الخطوب وتبكي دون دموع حين تعضها المشاكل فهل تبقى كما كانت؟  البشري هو الكائن الوحيد الذي يقدر على محو علاقاته واعادة بنائها، هو الكائن الوحيد الذي يحبك اليوم ولكن حين تنطفئ حرارة حبه يستلك من جراب فؤاده ويلقيك لسلة الأيام ولا تبقى غير صور وأقوال يتذكر بها وجودك أما الحب فتطمره اللامبالاة والخيانة والبرود والكذب وغيرها ويتحول شيئا فشيئا لغبار ذكرى وأشرطة صور مخزنة في رفوف قصية. ستعركنا الأيام، نتغير مع كل حادث يجد في حياتنا، مع كل ضربة جديدة في قلوبنا نسلخ معها جلدنا القديم لنكون أقوى ولكننا في تغييرنا هذا ننزع عنا...

التقاط جن الكتابة

  التقاط جن الكتابة أردت أن أكتب هذه الليلة، هناك قوة تدفعني للقلم ولكنني لا أملك موضوعا لذلك، كتبت نصف قصيدة ولمّا أحسست أنني أكابد في استكمالها  ضغطت على زر الالغاء، يبدو أن الشعر أصبح عسيرا عليّ هذه المدة. لم تنصفني مشاعري منذ زمن لكتابة بيت جيّد وأرى أن معينه بدأ يجف وفرصي لكتابته تقلصت بشكل كبير.  قرأت في إحدى المرات أن التجدد هو منبع الشعر، والبقاء مسجونا بين جدران الغرف يقلل فرص كتابته فموضوعاته تتكون من مشاهدات الشاعر وبالمكوث حبيسا  في غرفتك ستذبل طاقتك الكتابية وينضب معينك الذي تنهل منه ويخبو إلهامك الذي تستدر منه الكلمات وأظن أن هذا الكلام ينطبق على حالتي الآن.  قبل قليل كنت منتش بشعور مفاجئ جعلني أمد هاتفي للامساك بتلابيبه وصبه في قصيد ولكنه لم يطاوعني وسرعان ما جافاني ليبقى أثره فقط يتردد بين قلبي وشراييني.  عادة، لا أكتب الشعر إلا حين أحس بتلك الوخزة اللذيذة تتكون في أطرافي، كتكوّن سحابة ممطرة تبدأ بالقليل القليل ثم تتجمع وتعم أرجاء السماء وحين تمتلأ بالماء تصب خزائنها على أرضي.  أما نشوتي تلك التي تعترني قبل الكتابة ولا تنتهي إلا بانتهاء...

أنا حر.. أنا حر

أنا حر.. أنا حر حين افتككنا حريتنا  ورحل الطاغية مصاص الدماء  قلنا أننا سنطير بأجنحة جديدة  وسنحلق في الفضاء دون قيود تشدنا  سنبلغ الأفق البعيد  ونلامس الغيمات بأصابعنا  ونفرد طموحاتنا على قارعة الفضاء  ونتركها تتخفف من سلاسل الجاذبية المكبلة  ستطير مبتعدة تروم نقطة اللاعودة  وسنلحق بها بنشوة غامرة  لم نفكر أن العبيد سيحنون للعصا والمطرقة لم نفكر أن اللجام عادة  وأن العادة متأصلة متجذرة حين افتككنا حريتنا ذات شتاء امتزجت دماؤنا بالدموع  ولكن الفرح قد سرى في عروقنا  ها قد هزمنا غريمنا لم نقتلع جذوره المتعفنة  وبدأنا في حراثة أرضنا  وكلما زرعنا بذرة واخضرت أوراقها  نشب من تحت التراب نابه وغرز فيها ذلك العفن  أيا شعبا ضحى بأولاده حين استكان الجميع وشهد الدماء تسيل من ذلك الصريع وبكى الأهل والرفاق بسيل من دموع  مغادرة شمعة مضيئة وحمل وديع ها قد عاد العبيد يطلبون جراء مصاص الدماء ويرفعون من قدرهم الوضيع يتسابقون بالتمسح على أعتابهم ...