مهما بعدنا ما تغيرناش الأيام
هكذا يرى البعض، يرى أن الود يبقى قائما كما البداية وحرارة المشاعر تبقى كما نشأت أول مرة، يرى أن الأيام تمسح على رؤوسنا دون أن تحدث في روابط علاقتنا شروخا أو كسورا مستدامة.
ولكن هل فعلا يبقى الود كما نشأ؟
القلوب هذه المضغ المتقلبة التي يدعو البشر ربه ليثبتها على دينه هل تراها تبقى بذات حرارتها تجاه البشر؟ هل تراها تبقى بعنفوان محبتها وقوة ارتباطها وهي التي تتقبل ضربات الأيام المتتالية وهزائمها المتكررة وتنزف في صمت حين تكسرها الخطوب وتبكي دون دموع حين تعضها المشاكل فهل تبقى كما كانت؟
البشري هو الكائن الوحيد الذي يقدر على محو علاقاته واعادة بنائها، هو الكائن الوحيد الذي يحبك اليوم ولكن حين تنطفئ حرارة حبه يستلك من جراب فؤاده ويلقيك لسلة الأيام ولا تبقى غير صور وأقوال يتذكر بها وجودك أما الحب فتطمره اللامبالاة والخيانة والبرود والكذب وغيرها ويتحول شيئا فشيئا لغبار ذكرى وأشرطة صور مخزنة في رفوف قصية.
ستعركنا الأيام، نتغير مع كل حادث يجد في حياتنا، مع كل ضربة جديدة في قلوبنا نسلخ معها جلدنا القديم لنكون أقوى ولكننا في تغييرنا هذا ننزع عنا ما حملناه رويدا رويدا.. نكشطه عن جلودنا فينحدر ككوم التراب الصغيرة تحت رفسات الأطفال. يتدحجر عنا وينبت عوضا عنه إحساس آخر إحساس البرود.. إحساس اللامبالاة.. إحساس من لا يضيره إن انقطع ذلك الحبل أو تفرقت ظفائره وتفتت شمائله.
عن نفسي أتحدث، أكره تلك العلاقات التي تبقى من طرف واحد، أمشي فيها مدة من الزمن ثم أقطعها، لا أبقى معلقا هكذا، وكأن دينا مسلطا على رقبتي أسدده كل مرة.
لا أرى فائدة ولا جدوى من علاقة في حالة موت سريري، لا ينعشها أكسجين العالم كله ولا الصدمات الكهربائية بأقوى تردد ممكن.. لذلك أبادر دوما لذلك السلك الصغير الخفي فأفصله من مكانه وأنهي احتضارها المطول وأتخلص من آخر قطعة جلد تربط قشرتي تلك لأستطيع المضي في طريقي.
كل يوم، نحن البشر لا نبقى كما كنا بالأمس، كل كتاب نقرؤه يغير شخصياتنا، كل منشور، كل فكرة، كل حدث نتعرض له، كل ألم، كل سعادة، كل حزن، كل فرح كلها تنحتنا من جديد فكيف نبقى على الرأي القائل "مهما بعدنا ما تغيرناش الأيام"
_____________________________________________
بلال عرباوي ٢٠٢١/١١/٠٧
تعليقات
إرسال تعليق