التخطي إلى المحتوى الرئيسي

مراجعة كتاب الطريق إلى محتشد رجيم معتوڨ

 مراجعة كتاب "الطريق إلى محتشد رجيم معتوڨ"


مراجعة كتاب "الطريق إلى محتشد رجيم معتوڨ"


وصل يوم 23 جانفي 2020 الكتاب الذي أنتظره من أيام "الطريق إلى محتشد رجيم معتوڨ"، كنت متشوقا لسبر أغوار سيرة ذاع صيتها على وسائط التواصل الاجتماعي و نفذت طبعتها الأولى بعد أيام من صدورها .
الخال صديقي الفايسبوكي، كنت أتابع تدويناته و أتلذذ لغته العربية و شعره البدوي و " تخريجاته" المازحة، رغم أنني حديث عهد بصداقته و لست من أولئك القدامى الذين واكبوا رحلته في المحتشد عبر ردهات هذا الفضاء.

انطلقت كعادتي لمّا يصلني كتاب جديد في التهام الورقات و التهام سيرة المعتقل من رحاب الجامعة التونسية أواخر حكم بورڨيبة وأوائل حكم بن علي، في مقهى النصراوي نشأت الفكرة وتبلورت ورأت النور.
حلقات حلقات كانت تتكون الطريق، في البدء كان الكابوس و تلته رحلة الجيب من الداخلية حتى رجيم معتوڨ.

الخال أبدع في نقل أحداث أشهر معدودة بين ربيع 87 و خريفه، لغويا و مشاعريا، وتصويريا.
أما اللغة فهو سيدها و كيف لا وهو المعتقل من مدارج كلية منوبة من قسم اللغة العربية وهو الخطيب الذي قال لا في وجه نظام بورڨيبة المترنح بفعل الشيخوخة المستسلم لشطحات الجينرال كما أسماه الخال.. في ساحة كلية منوبة يخاطب الخال الجموع منتصرا لجنوبيته التي تأبى الظلم و القهر فيصبح الابن الضال المخرب للنظام و المعتقل السياسي رغم كونه غير مؤدلج.
أما التصوير فالخال بدقيق وصفه و بدقة تفاصيله يرسم في مخيال القارئ مشهد المحتشد و كثبان الرمل وحتى ورله الأشخم كأنها صور حية لا تنقصها غير الحركة أو كمشهد فيديو وضعه المشاهد على وضع السكون.
وأخيرا مشاعريا، فالخال لم يكتف بجمال اللغة و دقة التفصيل و الوصف و إنما بث فينا مشاعره و مشاعر أهله و أصدقائه من العساكر و أذكر خصيصا البوزيدي، ففي أكثر من موضع وجدت دموعي تنسكب، أولها لمّا صوّر لنا ذلك المشهد العنيف وهنا لا أقصد عنف الممارسة وإنما عنف الأحاسيس بينه وبين والده وتلك الدمعة الممسوحة بطرف اللحفة و دقات الصدر باليد فهذا مشهد أنا عن نفسي لم أحتمل قراءته فكيف بالخال الذي عاشه؟ و ثاني المشاهد لمّا يصف صديقه "حمادي حبيڨ" ويصور طريقة موته فهذا مؤلم وموجع والمشهد الثالث الذي يفيض مشاعر صادقة، حين غادر الطلبة الجنود المحتشد ووداع البوزيدي لهم، ذلك الأمي الذي أصبح قارئا و كاتبا بفضل أبناء الجامعة المعتقلين ظلما لأنهم أزعجوا صفو النظام.

أما الكتاب فقد لخص في سيرة ذكرياتية ما حصل للطلبة من اعتداء و من حرمان و من عنف و تشريد و قتل ممنهج لروح الحرية في نفوس تاقت لأن تكون عصافير تحلق في سماء تونس ، فكان أن قص النظام أجنحتها ووضعها في قفص إجباري ، إن هي بقت فيه سلبت أغلى ما تطمحه إليه و إن غادرته هربا من جحيمه فجحيم الموت ينتظرها على أفنان الصحراء.

وصف الكتاب أيضا تجربة سياسية عميقة داخل المحتشد، فخلافا للحمة و تعاضد في ڨرعة بوفيلجة أين كانت الإصلاحية العسكرية، فالتذرذر و الخلاف السياسي الذي نراه الآن في ساحتنا السياسية ظهر جليا في المطروحة 1و2.

السيرة سلطت الضو على عدد من سياسيي تونس منهم من قضى نحبه و منهم من مازال فاعلا في المشهد، و نذكر منهم المغادر للساحة ذات 06 فيفري 2013 شكري بلعيد المغدور، و محسن مرزوق و سالم الأبيض مازالا فاعلان الآن في حياة تونس السياسية.

وإن أسرفت في وصف التجربة السياسية قليلا فلن أنسى طبعا التعذيب و التنكيل بالطلبة وذويهم، فالخال بعد رحلة عذاباته الجسدية والنفسية مع كل تلك البذاءة التي تلقاها من بوليس بن علي وجنوده المتواطئين معه من جيش تونس، دخل الإصلاحية العسكرية وأكل الفلقة في أول ليلة له، وأكثر ما في الأمر من ألم هو حرمان عائلة "حمادي حبيڨ" من البكاء على ابنها الشهيد و كتمان صوته و صوتها حتى في التعبير عن ألمها.

رغم كون السيرة أتت على عدة جوانب و لكني رأيت أن الخال لم يتعمق في حياة أصدقائه الذين ذكروا ، أردت أن يكون أكثر دقة و يزيدنا قربا أكثر من شخصيات هؤلاء السياسيين و كيفية معاملتهم مع أصحاب توجههم و مع مخالفيهم في لحظات اختيار حر لا تكون فيه المرجعية والانتماء طاغيا.

أردت أن أرى كيف سيتعامل سالم الأبيض مثلا مع محسن مرزوق أو مع شكري بلعيد دون أن تكون الايديولوجيا حاضرة و الأول ناصري الهوى أما الاخران فأحدهما ليبرالي و الأخر يساري التوجه ، أو كيف يتعامل اليساري مع الاسلامي و الاسلامي مع اليساري في خيمة محايدة تنتزع فيها حين الدخول الايديولوجيا و التوجه الفكري.

أسلوب الخال ممتع في سرد الأحداث و ضرب الأمثلة و حَبْكِ القصص، يجعل القارئ متسمرا أمام الكتاب لا يريد أن ينتزعه من يديه و أحدثكم عن نفسي و أنا أقرأ الكتاب، كنت عشية 23 جانفي قد قرأت ربع الكتاب، و بما أنني لا أجبذ القراءة إلا في هدوء تام في السهرة لم أستطع أن أنهي الكتاب، الذي وضعته في الفراش بجانبي ، فلمّا أردت النوم، جذبت الكتاب لأودعه مكانا آخر و لكني لم أصبر لطلوع النهار، فأنرت مصباح هاتفي قصد قراءة صفحات فقط، فرُحت ألتهمُ البقية حتى أتممته في جلسة واحدة.

كتاب جدير بالقراءة و يستحق أربع نجمات ★★★★ على عداد التميز.
______________________________________
بلال عرباوي 2020/01/27

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مهما بعدنا ما تغيرناش الأيام

  مهما بعدنا ما تغيرناش الأيام هكذا يرى البعض، يرى أن الود يبقى قائما كما البداية وحرارة المشاعر تبقى كما نشأت أول مرة، يرى أن الأيام تمسح على رؤوسنا دون أن تحدث في روابط علاقتنا شروخا أو كسورا مستدامة.  ولكن هل فعلا يبقى الود كما نشأ؟  القلوب هذه المضغ المتقلبة التي يدعو البشر ربه ليثبتها على دينه هل تراها تبقى بذات حرارتها تجاه البشر؟ هل تراها تبقى بعنفوان محبتها وقوة ارتباطها وهي التي تتقبل ضربات الأيام المتتالية وهزائمها المتكررة وتنزف في صمت حين تكسرها الخطوب وتبكي دون دموع حين تعضها المشاكل فهل تبقى كما كانت؟  البشري هو الكائن الوحيد الذي يقدر على محو علاقاته واعادة بنائها، هو الكائن الوحيد الذي يحبك اليوم ولكن حين تنطفئ حرارة حبه يستلك من جراب فؤاده ويلقيك لسلة الأيام ولا تبقى غير صور وأقوال يتذكر بها وجودك أما الحب فتطمره اللامبالاة والخيانة والبرود والكذب وغيرها ويتحول شيئا فشيئا لغبار ذكرى وأشرطة صور مخزنة في رفوف قصية. ستعركنا الأيام، نتغير مع كل حادث يجد في حياتنا، مع كل ضربة جديدة في قلوبنا نسلخ معها جلدنا القديم لنكون أقوى ولكننا في تغييرنا هذا ننزع عنا ما حملناه رويدا رو

كفيل

  كفيل انتشرت في السنوات الأخيرة في العالم العربي منصات العمل الحر وأخذت صداها بسبب اتجاه الشباب العاطل عن العمل إليها كحل بديل للوظائف التقليدية واعتبارها الملاذ الكفيل بكسر طوق البطالة عنه.. وقد اشتهر بعضها كمنصات أولى في العالم العربي وفرت ما يبحث عنه باعة الخدمات ولكن في السنوات الأخيرة ظهرت منصات جديدة تضاهي الأولى من حيث الجودة وسلاسة الاستخدام. ونذكر هنا منصة كفيل التي بدأت في أخذ الصدى المناسب لها وتوسع نطاق استخدامها والاهتمام باستعمالها من قبل طالبي الخدمات والباعة على حد السواء. منصة كفيل هي منصة للخدمات المصغرة سعودية المنشأ وعربية اللغة والخدمات فتحت بابا جديدا أمام بائعي الخدمات المصغرة لتحصيل عمولات وإيجاد سوق عمل أخرى إضافة للأسواق القديمة في منصات بيع الخدمات المصغرة القديمة. كيفية العمل في منصة كفيل ليس أسهل من العمل في منصة كفيل فالمطلوب منك هنا أن تكون لديك مهارة تقدمها كخدمة مصغرة وتشارك في منصة كفيل كمستقل أو بائع خدمات مصغّرة. أولا عليك التسجيل في منصة كفيل وهذا سهل جدا فما عليك سوى الدخول للمنصة وتسجيل بياناتك الشخصية وكتابة نبذة تعريفية عنك تساعد الباحثين

التقاط جن الكتابة

  التقاط جن الكتابة أردت أن أكتب هذه الليلة، هناك قوة تدفعني للقلم ولكنني لا أملك موضوعا لذلك، كتبت نصف قصيدة ولمّا أحسست أنني أكابد في استكمالها  ضغطت على زر الالغاء، يبدو أن الشعر أصبح عسيرا عليّ هذه المدة. لم تنصفني مشاعري منذ زمن لكتابة بيت جيّد وأرى أن معينه بدأ يجف وفرصي لكتابته تقلصت بشكل كبير.  قرأت في إحدى المرات أن التجدد هو منبع الشعر، والبقاء مسجونا بين جدران الغرف يقلل فرص كتابته فموضوعاته تتكون من مشاهدات الشاعر وبالمكوث حبيسا  في غرفتك ستذبل طاقتك الكتابية وينضب معينك الذي تنهل منه ويخبو إلهامك الذي تستدر منه الكلمات وأظن أن هذا الكلام ينطبق على حالتي الآن.  قبل قليل كنت منتش بشعور مفاجئ جعلني أمد هاتفي للامساك بتلابيبه وصبه في قصيد ولكنه لم يطاوعني وسرعان ما جافاني ليبقى أثره فقط يتردد بين قلبي وشراييني.  عادة، لا أكتب الشعر إلا حين أحس بتلك الوخزة اللذيذة تتكون في أطرافي، كتكوّن سحابة ممطرة تبدأ بالقليل القليل ثم تتجمع وتعم أرجاء السماء وحين تمتلأ بالماء تصب خزائنها على أرضي.  أما نشوتي تلك التي تعترني قبل الكتابة ولا تنتهي إلا بانتهاء دفق الكلمات حيث أسكبها في دفتري ا