الإرادة نار الأحلام المحققة
في حياتنا مررنا بتجارب كثيرة أو قرأنا عن تجارب ترك أصحابها بصمة في العالم، بقوة عزيمتهم وإصرارهم اللامتناهي على بلوغ الهدف المنشود .
هؤلاء الأشخاص كان مبلغ حلمهم أن يحققوا طموحا واحدا و أن يبلغوا مرادهم و حلمهم الأول الذي نشأ في نفوسهم على هشاشتها و غضاضتها .
لم يكن هؤلاء الّذين ارتقوا مميزين عن غيرهم سوى بسلاح الإرادة، كانت لهم عزائم لا تقهر ونفوس لا تهزم وأرواح مجاهدة في سبيل الحلم وكان الحلم يتقد في جوارحهم فيشتعلون رغبة لتحقيقه.
هؤلاء الأشخاص برزوا الآن كأيقونات، يعرفهم القاصي والداني، تفرقوا على أنحاء العالم ولكن جمعتهم قوة إرادتهم وطموحاتهم
المحققة.
طه حسين
أذكر وأنا بعد في مرحلة الثانوي أني قرأت سيرة الكاتب طه حسين "الأيام"، كان طفلا ضريرا، متوقد الشعور والإرادة، وأذكر مما كتب عن تجربته أنه التقم لقمة وجال في خاطره أن من حوله يغمسون الخبز بيديهم الاثنتين في المرق ففعل وأثار فعله موجة سخرية من بقية أفراد عائلته، لكن والده طبطب عليه وأعلمه أن يا بني التقم اللقمة بيد واحدة فكلنا يفعل هذا .
أوردت هذه الحادثة لأبين الصعوبة التي كان يعيشها طه حسين، ففقدان حاسة البصر كان عائقا أمامه، حتى أنه يجد صعوبة في الأكل علاوة عن تلويث قمصانه وثيابه ولكن دماغه عال التفكير والتقبل للمعلومات جعله من المتميزين في دارسته بالأزهر وبالجامعة ورغم إعاقته البارزة، ذهب إلى فرنسا وأقام فيها وأسس أسرة، والأكثر من ذلك أنه كتب عديد المؤلفات نذكر منها سيرته "الأيام" وروايته "المعذبون في الأرض" فكان رائدا في العالم العربي وألهمت تجربته العديد من الناس.
كيف لا؟ و هو المنتصر على إعاقة لو كانت لدى نفس صغيرة الطموح لأقعدتها، ولأصبح صاحبها متسولا أمام أحد المساجد ولكن طه حسين غالب الإعاقة وغلبها وأصر على البروز وبرز كأحسن ما يكون.
جبران خليل جبران
في نفس المجال ومن مدينة عربية أخرى، استطاع جبران خليل جبران أن ينهض ككاتب وفنان تشكيلي، رغم الصعوبات الجمة التي تعرض لها، فقد سافر إلى أمريكا وعاش في حي فقير حيث مات أخوه وأمه بمرض السل والتحقت أخته بالقافلة المودعة، وبالرغم من احتراق معرض لوحاته ومرضه هو أيضا بالسل، قاوم وكتب عديد الكتب و الأشعار، غنت بعضها وأخذت صيتا واسعا نذكر منها أغنية فيروز "اعطني الناي و غني".
وإصرار جبران القوي وروحه الانتصارية على كل المعوقات والعقبات التي طرأت على حياته جعلاه أيقونة من أيقونات الأدب العربي على مر التاريخ.
ستيف هارفي
ولم يكن ستيف هارفي الكوميدي الأمريكي والمنشط صاحب برنامج "اسأل ستيف ask stive" بعيدا عن فلك أصحاب النفوس الكبيرة والعزيمة الحديدية، فتجربته لم تكن أقل قسوة من تجارب ما سبق، هو الرجل الذي جعل من سيارته بيتا يقيم فيه كي يتمكن من تحقيق حلمه بعيدا عن العائلة، ومما يروي عن نفسه أنه يستحم في الفنادق، يغافل المسؤولين عن حماية الفندق ويدخل ليجد بقايا الصابون ومناشف النزل، فيستحم وهكذا حتى تم استدعاؤه لتقديم عرض أول ومن ثم انطلقت مسيرته والآن هو من أشهر المقدمين
في أمريكا والعالم .
أوبرا وينفري
اوبرا وينفري الكاتبة والإعلامية، لم تخرج من دائرة أصحاب الطموحات الكبيرة والإرادة العالية، فاوبرا تم اغتصابها وهي بعد طفلة وأنجبت ابنها الأول وعمرها بين الثالثة والرابعة عشر من العمر، من ثم معاناتها مع عائلتها و لكنها صممت أن تنجح وأن تنير الطريق أمام من عاندتهن الحياة مثلها وأصبحت في السابعة أو الثامنة عشر من عمرها إعلامية وحققت أفضل البرامج الحوارية في تاريخ أمريكا والآن هي تتربع على ثروة بمئات الملايين من الدولارات وهذا كله نتيجة الأحلام المشروعة والإرادة الصخرية الصلبة ، إرادة لو عاندت صَمَمَ الجبال لقهرتها ولو أرادت أن تطول الشمس لوصلتها.
ومصداقا لقول الرسول الكريم "لو تعلقت همة المرء بما وراء العرش لناله".
أنشد :
وصاحب همة مشحوذة يسعى
لصعود قمم الجبال الرواسخ
وصاحب نفس كبيرة يصل
لمبتغاه ولو كان في عنان السماء
وصاحب النفس الصغيرة يشقى ويتعب
حتى وإن كان المراد قربة ماء
يأتي بها من النبع ليشرب.
_______________________________
بلال عرباوي2020/01/10
تعليقات
إرسال تعليق