من أنا؟
من أنا؟ ولم اخترت أن أكون كاتبا؟
هل فعلا اخترت أن أكون كاتبا أو وجدت نفسي في هذا الحقل دون سابق تخطيط؟
أنا الكاتب لهذه الخواطر التي تأخذ من حياتي ليقرأها المتابعون فيتلذذ البعض حلو الكلام، و يمتعض البعض الآخر و لكني أبدو سعيدا بعد كل خاطرة أخطها، أو مقال أكتبه أو قصيدة أدون أبياتها وأنغم إيقاعها.
لست غير هاوٍ، أنظم الكلمات إلى بعضها وأرصف الحروف لأشيّد بناءات من جمال وصروح من معاني.
لست غير متعثّر في ردهات اللغة ومضاربها، أجوس أقسام النحو والصرف فأسقط في تصريف هنا و أخطئ في إعراب هناك و لكني أعيد الكرّة وأكتب من جديد.
سحرتني ردهات البلاغة وأخذتني مسارب الفصاحة فأصبحت مريدا اللّغة و مخلصها.
في البدء كان لي حلما بسيطا لم يشتّد عوده لأنني لم أسقه بما يكفي لينبت ويطل برأسه معاندا ويأخذ روحي أسيرة عنده.
كان هناك في ركن قصي من قلبي، يسترق ما يبقيه حيا من عصارة فؤادي ويتوارى وراء أحلام كبيرة غطت بظلالها بُرَيْعِمَهُ الصغير، الغض الطري.
فكيف له أن يصارع تلك الأماني الكبيرة المتوحشة التي استحوذت على كل تفكيري؟ ولم تترك له غير فتات من فؤاد يرشح على تربته ليبقى أخضرا دون أن يصّعد برقبته فتقطفه الأيام وهو بعد طريّ العود.
كنت أقرأ لأستلذ العبارات و أشحن نفسي بجميل الكلمات وأكوّن معجما صغيرا أستند إليه في دراستي.
وكانت المقالات في الجرائد الورقية تغريني أيّما إغراء لأكتب مثلها وأخط يوما اسمي مع أولئك الكتاب الصحافيين.
أردت أن أتوجه لمعهد الصحافة و علوم الإخبار رغم كوني علميّ الاختصاص و لكن ذلك الحلم الصغير لم يتحقق.
أنا صاحب النزعة العلميّة والطموح الكبير لأبلغ درجة الباحث والمكتشف طمرت حلم الصحافة واخترت العلم.
ولكن لعنة الكتابة الّتي تسري فيّ مسرى الدم من العروق عادت بعد سنة فقط من الجامعة و هاهي الآن تتعاظم وتتعاظم.
وجدت نفسي ألقي الشعر وأكتبه وأحبر المقالات وأرقنها وأخط القصص وأحبكها.
أنا صاحب التكوين العلميّ أجد نفسي في معترك الأدب وعجائن اللّغة.
بين حروف العلّة وأدوات الإشارة والنواسخ وأسمائها وأخبارها والجمل الاسمية و الفعلية بسيطة كانت أو مركبة رحت أتمرغ في جناباتها مستمتعا بتركيبها و تشكيلها وإعادة اكتشافها، فهذا فعل جديد أقرؤه وذلك اسم أو وصف أحفظه وأبحث عن مرادف هنا وضّد هناك فأنمي زادي من المفردات وأجدّد قاموسي اللّغوي ليستمتع قرائي بجمل وتراكيب فريدة.
في الأخير لا أستطيع أن أقول أنني كاتب الصدفة المحض أو أني خططت بجدية لذلك.
أنا كاتب الحلم المنشود و الصدفة المواتية.. أنا مزيج بين رغبة لم أسع لتجسيدها وتطفل على اللّغة جعلني أمتهنها.
لست غير هاوٍ، أحّب اللّغة وطاوعته فشكلّها وحوّلها نصوصا وقصصا وقصائدا.
______________________________
بلال عرباوي 2020/01/31
تعليقات
إرسال تعليق