التقاط جن الكتابة
أردت أن أكتب هذه الليلة، هناك قوة تدفعني للقلم ولكنني لا أملك موضوعا لذلك، كتبت نصف قصيدة ولمّا أحسست أنني أكابد في استكمالها ضغطت على زر الالغاء، يبدو أن الشعر أصبح عسيرا عليّ هذه المدة. لم تنصفني مشاعري منذ زمن لكتابة بيت جيّد وأرى أن معينه بدأ يجف وفرصي لكتابته تقلصت بشكل كبير.
قرأت في إحدى المرات أن التجدد هو منبع الشعر، والبقاء مسجونا بين جدران الغرف يقلل فرص كتابته فموضوعاته تتكون من مشاهدات الشاعر وبالمكوث حبيسا في غرفتك ستذبل طاقتك الكتابية وينضب معينك الذي تنهل منه ويخبو إلهامك الذي تستدر منه الكلمات وأظن أن هذا الكلام ينطبق على حالتي الآن.
قبل قليل كنت منتش بشعور مفاجئ جعلني أمد هاتفي للامساك بتلابيبه وصبه في قصيد ولكنه لم يطاوعني وسرعان ما جافاني ليبقى أثره فقط يتردد بين قلبي وشراييني.
عادة، لا أكتب الشعر إلا حين أحس بتلك الوخزة اللذيذة تتكون في أطرافي، كتكوّن سحابة ممطرة تبدأ بالقليل القليل ثم تتجمع وتعم أرجاء السماء وحين تمتلأ بالماء تصب خزائنها على أرضي.
أما نشوتي تلك التي تعترني قبل الكتابة ولا تنتهي إلا بانتهاء دفق الكلمات حيث أسكبها في دفتري الافتراضي فتتجمع عند السرة كنشوة الفرح أو غيرها من الأحاسيس المشبعة وتبدأ ضغطها الرهيب فتنتزعني من أي شيء كنت بصدده ولا تستسلم إلا بالانغماس فيها وايلائها كل تفكير وكل اهتمام.
هذه النشوة تتقلص درجاتها وترتفع بطريقة الكتابة، فلو أطاع القلم وتسرب الموضوع سلسا بين أصابعي تبقى في مستوى مرتفع وتزيد من الضغط حتى أحس بقلبي سينفجر من شدة الضغط، وأحس صوتي يريد الخروج منطلقا كأنني في فضاء فسيح لا يسمعني فيه سوى الصدى وتجف حنجرتي كأنني في آخر أمتار من مارطون وسأفوز بميدالية السباق، وتنخفض بمجريات الكتابة وطريقتها فإن استعصت واستحكمت أبوابها تنخفض إلى أقل مستوياتها.
لا أعرف كيف يحس الكتاب الأخرون؟! ولكن أظن أن ما يسمى شيطان الشعر أو شيطان الكتابة ليس إلا كمية من الأدرينالين تغشى القلب فيصرفها في أول موضوع يخامر ذهن الكاتب وأول كلمة ينطلق بها لسان قلمه ثم تدفعه تلك الموجات بمدها وزجرها المتكون داخله.. فيجدف هو بما يستطيعه من لغة محبوكة وخيال شاسع ويطرز بما أجاده من أسلوب وما كونه من معارف منسوجاته الكتابية فتأتي مزخرفة مزركشة تسر الناظرين.
وبنفس الطريقة التي يكتب بها الكتاب، ينسجم الموسيقيون مع ألحانهم وهنا أتذكر أنني قرأت أنهم حين يشغفون بها تأتي حركات أجسامهم معبرة عن المقطوعات فتتحرك منتشية متناغمة مع الأصوات وكأنها تشعر بوخزات الألحان فيها فتخرجها في حركات معبرة على دقة اللحن وعذوبته.
ولا أستبعد أن في كل مجال إبداعي روح تتلبس صاحبه فيأتي أفعالا لا تدل إلا عن تلك النشوة التي تخامره فتتحرك أوصاله كلها للتعبير عنها سواء بحركات جسدية أو بسكرة فكرية تنتهي بمنتج يشد الناظرين.
______________________________________________
بلال عرباوي ٢٠٢١/١١/٢٤
تعليقات
إرسال تعليق