التخطي إلى المحتوى الرئيسي

كيف أصير كاتبا عميقا؟

 كيف أصير كاتبا عميقا؟ 



لا أعلم حقيقة ما معنى أن تكون كاتبا عميقا.. لا أعرف ما اصطلح عليه باسم العمق في الكتابة وكيف تكون حروفك التي تنسجها ذات مفاهيم عميقة.. 


لا تضجروا من الكلمة فأنا أبحث عن تفاسير ولا أستطيع الآن أن استبدلها بمرادف يقلل من التكرار ويجعل من النص أسلس  وأعمق.. إنني في خضم تساؤلات عميقة..


أرى الكلمة منذ مدة يتداولها رواد هذا الفضاء، يتغزلون كل مرة بنص ويمهرونه بالصفة الأحب إلى قلوبهم ويبدو أنها الوحيدة التي تصف بدقة متانته وجودته والإفادة الحاصلة منه.. فيطلق عليه عميق ويوسم صاحبه كذلك.. 


ولست أدري مالي أنفر من كل نص ختم بهذا المصطلح ألأن الكلمة لا قياس لها ولا تعريف يحددها أم أن غيرة خفية تتملكني.. وهذا حقيقة ما جعلني أكتب في هذا الموضوع.


نعم أنا أتساءل أحيانا لم لا تمهر نصوصي بصفة العميق؟ ألقصور بها؟ ألضعف متنها ومعانيها؟ ثم أثوب إلى رشدي وأضحك من نفسي ومن أسئلتي فالكلمة في لغة الأدب لا تعني شيئا ولا تنسيب لها ولا مرادفات.. 


ثم إنني أقرأ أحيانا نصوصا يطلق عليها عميقة، فابحث عن قوة الكلمة فلا أجدها، وأبحث عن قوة الإحساس فلا أجده، وأبحث عن صدق القول فلا أثر له وأبحث عن سلاسة التركيب ومتانة اللغة وتماسك النص وتناسق الأفكار وحلاوة الطرح وطلاوة المعنى فلا أجد ريحهم فيخيب ظني في الكاتب وفي قرائه الذين يطلقون عليه صفة كاتب عميق.. 


ولست أدري ما هذه الموجة التي اجتاحت مواقع التواصل فانبرت التعليقات تختم كل نص بطابع العمق وتمهره بصفات لو قرأها كبار الكتاب لاندهشوا من اطلاقها في كل وقت وحين على نصوص أقل ما يقال عنها نصوص تلاميذ الأساسي..


ثم إن العمق في الإحساس، العمق في كون نصك قادرا على ضرب صميم القلوب ومس تجاويف المشاعر.. العمق في كون النص يأخذك من عالمك الذي أنت فيه ويختطفك لعالم موازن منسوج من حروف وكلمات.. النص العميق هو الذي يصور لك بدقة مدينة ما فتتجول فيها دون أن تغادر مقعدك، هو الذي يصور لك مشهدا ما فتنغمس فيه بكل جوارحك وتعيش ألمه بعاطفتك أو سعادته بروحك فتبكي لبكاء فيه وتسعد لسعادة يصورها.. 


لا أعرف إن استطعت أخيرا أن أجد خيطا رفيعا لأقرب الصورة وأكتب ما يجول بخاطري ولكن نصوص الشياطين تلك لا عمق فيها وإنما هي خلق للإثارة مثلها مثل نص جنسي صوره صاحبه بدقة مصور فوتوغرافي.


_______________________________________________

بلال عرباوي ٢٠٢٢/٠٨/٢٥

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

مهما بعدنا ما تغيرناش الأيام

  مهما بعدنا ما تغيرناش الأيام هكذا يرى البعض، يرى أن الود يبقى قائما كما البداية وحرارة المشاعر تبقى كما نشأت أول مرة، يرى أن الأيام تمسح على رؤوسنا دون أن تحدث في روابط علاقتنا شروخا أو كسورا مستدامة.  ولكن هل فعلا يبقى الود كما نشأ؟  القلوب هذه المضغ المتقلبة التي يدعو البشر ربه ليثبتها على دينه هل تراها تبقى بذات حرارتها تجاه البشر؟ هل تراها تبقى بعنفوان محبتها وقوة ارتباطها وهي التي تتقبل ضربات الأيام المتتالية وهزائمها المتكررة وتنزف في صمت حين تكسرها الخطوب وتبكي دون دموع حين تعضها المشاكل فهل تبقى كما كانت؟  البشري هو الكائن الوحيد الذي يقدر على محو علاقاته واعادة بنائها، هو الكائن الوحيد الذي يحبك اليوم ولكن حين تنطفئ حرارة حبه يستلك من جراب فؤاده ويلقيك لسلة الأيام ولا تبقى غير صور وأقوال يتذكر بها وجودك أما الحب فتطمره اللامبالاة والخيانة والبرود والكذب وغيرها ويتحول شيئا فشيئا لغبار ذكرى وأشرطة صور مخزنة في رفوف قصية. ستعركنا الأيام، نتغير مع كل حادث يجد في حياتنا، مع كل ضربة جديدة في قلوبنا نسلخ معها جلدنا القديم لنكون أقوى ولكننا في تغييرنا هذا ننزع عنا...

التقاط جن الكتابة

  التقاط جن الكتابة أردت أن أكتب هذه الليلة، هناك قوة تدفعني للقلم ولكنني لا أملك موضوعا لذلك، كتبت نصف قصيدة ولمّا أحسست أنني أكابد في استكمالها  ضغطت على زر الالغاء، يبدو أن الشعر أصبح عسيرا عليّ هذه المدة. لم تنصفني مشاعري منذ زمن لكتابة بيت جيّد وأرى أن معينه بدأ يجف وفرصي لكتابته تقلصت بشكل كبير.  قرأت في إحدى المرات أن التجدد هو منبع الشعر، والبقاء مسجونا بين جدران الغرف يقلل فرص كتابته فموضوعاته تتكون من مشاهدات الشاعر وبالمكوث حبيسا  في غرفتك ستذبل طاقتك الكتابية وينضب معينك الذي تنهل منه ويخبو إلهامك الذي تستدر منه الكلمات وأظن أن هذا الكلام ينطبق على حالتي الآن.  قبل قليل كنت منتش بشعور مفاجئ جعلني أمد هاتفي للامساك بتلابيبه وصبه في قصيد ولكنه لم يطاوعني وسرعان ما جافاني ليبقى أثره فقط يتردد بين قلبي وشراييني.  عادة، لا أكتب الشعر إلا حين أحس بتلك الوخزة اللذيذة تتكون في أطرافي، كتكوّن سحابة ممطرة تبدأ بالقليل القليل ثم تتجمع وتعم أرجاء السماء وحين تمتلأ بالماء تصب خزائنها على أرضي.  أما نشوتي تلك التي تعترني قبل الكتابة ولا تنتهي إلا بانتهاء...

أنا حر.. أنا حر

أنا حر.. أنا حر حين افتككنا حريتنا  ورحل الطاغية مصاص الدماء  قلنا أننا سنطير بأجنحة جديدة  وسنحلق في الفضاء دون قيود تشدنا  سنبلغ الأفق البعيد  ونلامس الغيمات بأصابعنا  ونفرد طموحاتنا على قارعة الفضاء  ونتركها تتخفف من سلاسل الجاذبية المكبلة  ستطير مبتعدة تروم نقطة اللاعودة  وسنلحق بها بنشوة غامرة  لم نفكر أن العبيد سيحنون للعصا والمطرقة لم نفكر أن اللجام عادة  وأن العادة متأصلة متجذرة حين افتككنا حريتنا ذات شتاء امتزجت دماؤنا بالدموع  ولكن الفرح قد سرى في عروقنا  ها قد هزمنا غريمنا لم نقتلع جذوره المتعفنة  وبدأنا في حراثة أرضنا  وكلما زرعنا بذرة واخضرت أوراقها  نشب من تحت التراب نابه وغرز فيها ذلك العفن  أيا شعبا ضحى بأولاده حين استكان الجميع وشهد الدماء تسيل من ذلك الصريع وبكى الأهل والرفاق بسيل من دموع  مغادرة شمعة مضيئة وحمل وديع ها قد عاد العبيد يطلبون جراء مصاص الدماء ويرفعون من قدرهم الوضيع يتسابقون بالتمسح على أعتابهم ...