التخطي إلى المحتوى الرئيسي

المشاركات

التقاط جن الكتابة

  التقاط جن الكتابة أردت أن أكتب هذه الليلة، هناك قوة تدفعني للقلم ولكنني لا أملك موضوعا لذلك، كتبت نصف قصيدة ولمّا أحسست أنني أكابد في استكمالها  ضغطت على زر الالغاء، يبدو أن الشعر أصبح عسيرا عليّ هذه المدة. لم تنصفني مشاعري منذ زمن لكتابة بيت جيّد وأرى أن معينه بدأ يجف وفرصي لكتابته تقلصت بشكل كبير.  قرأت في إحدى المرات أن التجدد هو منبع الشعر، والبقاء مسجونا بين جدران الغرف يقلل فرص كتابته فموضوعاته تتكون من مشاهدات الشاعر وبالمكوث حبيسا  في غرفتك ستذبل طاقتك الكتابية وينضب معينك الذي تنهل منه ويخبو إلهامك الذي تستدر منه الكلمات وأظن أن هذا الكلام ينطبق على حالتي الآن.  قبل قليل كنت منتش بشعور مفاجئ جعلني أمد هاتفي للامساك بتلابيبه وصبه في قصيد ولكنه لم يطاوعني وسرعان ما جافاني ليبقى أثره فقط يتردد بين قلبي وشراييني.  عادة، لا أكتب الشعر إلا حين أحس بتلك الوخزة اللذيذة تتكون في أطرافي، كتكوّن سحابة ممطرة تبدأ بالقليل القليل ثم تتجمع وتعم أرجاء السماء وحين تمتلأ بالماء تصب خزائنها على أرضي.  أما نشوتي تلك التي تعترني قبل الكتابة ولا تنتهي إلا بانتهاء دفق الكلمات حيث أسكبها في دفتري ا

مراجعة

 " الخوف " ليس أقسى على الإنسان من شعور ممض يؤرق يومه، وليس هناك أمر من شعور الخوف الذي يسكن القلب والعقل.  من هنا انطلقت في قراءة رواية "الخوف" للكاتب النمساوي ستيفان زفايغ التي امتدت على ثلاثة وثمانين صفحة فقط ولكنها غاصت جيّدا في الشعور الانساني الأكثر رعبا والأكثر قسوة على قلب أي امرئ على وجه البسيطة. شخصيات زفايغ ليست بالكثيرة وذلك لطبيعة روايتاه القصيرة وهذا حسب رأيي طبعا فالرواية المكثفة لا تتطلب دخول عدة أشخاص لحياة البطل فيضطر بعدها الكاتب للغوص في تفاصيلهم وتطول الرواية إلى حد الاتيان على جميع الشخصيات الرئيسة وصفا وتمييزا كي تتناسق الأحداث وتتلاحم الشخوص لتعطينا رواية مميزة، انما هي رواية تدول حول بطل واحد وفي بعض الأحيان هذا البطل لا يتحرك من مكانه مثلما كان في روايته "رسالة من مجهولة" فقط زفايغ يغوص في دواخل شخصياته ليرينا ما يعتمل فيها من اضطراب أو فرح أو خوف أو حب أو هوس. في روايتنا اليوم الشخصية الرئيسية تدعى إيرين شابة في الثلاثينات من العمر متزوجة ولها ابن وابنة، استهوتها مغامرة العشق مع عازف بيانو فانغمست فيها لتشعر بالحياة تتدفق في كيان

قميص عثمان

قميص عثمان  خاو كبئر عميقة جفت مياهها  يصفر الريح بين جنباتها ويمضي يتعاقب عليها الليل والنهار معتمة  لا ضوء فيها  ولا ندى  تزورها بومة الضجر  تنعق  تنعق ومن ثمة تهوي في العمق السحيق تبني أعشاشا  تفرخ  وتنقر من يريد الاقتراب الشعر  كلمات مذابة بلهيب الجوارح وحين تتجمد تغلق مجرى الشرايين  تسد منافذ الهواء  تخنق الأنفاس  وتتمكن من الروح المرفرفة فتسجنها بين أقفاص الأوجاع تتململ  تريد أن تخرج أذرعها من قميص عثمان  الذي تورطت فيه فتزيد آلام النزف المسموم  الانتفاض  حركة هائجة  جموح الشباب الذي يتدفق حياة كسر للقوانين السارية  تمرد  عنفوان  ثورة كاملة وأنا أراوح بين الغضب والهدوء أندفع بكل رغبة أتطلع لممكنات كثيرة وأتراجع حين لا يعجبني الطريق خواء وانتفاض وثورة واندفاع وقصيد يترنح بين الأحاسيس يتشكل من برود وجموح ومن تصلب ومن بخار  ومن روح تخلصت من قميص عثمان _______________________________________________ بلال عرباوي ٢٠٢١/٠٥/٢٥

في مواجهة نفسي

  في مواجهة نفسي تتساءل صديقة افتراضية ماذا لو التقيت نفسك ماذا ستفعل أو ستقول؟ في البداية أجبتها مازحا "حتى ألقاها وسأعلمك بما دار بيننا" ولكنها لم تكتف باجابة عادية أرادت إجابة كاتب وخاطبت الخيال فيّ، "أنت مبدع ألك أن تتخيل اللقاء أم أنك مشغول؟" لم يكن السؤال في البداية محركا أو قادحا لملكة الكتابة عندي ولكن عندما مسكت قلمي ودفتري قفز أمامي من جديد وسألت نفسي ماذا لو التقيت بي؟ هل تتخيلون معي؟! أنتم وأنفسكم وجها لوجه، وكأنكم تواجهون مرايا الحائط، تقفون بانبهار امام ذلك الشخص الذي هو أنتم وتحاورونه وتحاججونه، هذا ما ذهب إليه تفكيري. أن تتعرى أمام نفسك دون نزع ملابسك، أن تكون شفافا، أن تراقب خلجاتك تدور في جسدك.. أليس هذا شعورا رائعا؟! ماذا ستقول لنفسك أم أنك ستبقى صامتا أمام هذا المشهد المهيب؟ في الحقيقة عبث بي السؤال، هل يقدر أي شخص أن يواجه نفسه بضحكاته وفرحه، بحزنه وانكساراته؟ أن تمرر يدك على تلك الأقطاب وجروح الزمن الغادر وأن ترى نزف روحك، أن تمد يدك لتقطف ذكرى رائعة وترسم بها ضحكة على محياك ولكنها تتسرب بين أصابعك لتعيدك للواقع. كل هذا ليس هيّنا، كل هذا

بنيان من لهفة

 بنيان من لهفة   مازال طيفها يسكنني بقايا صوت تتردد في أذني وتلك الرنة الّتي تصدرها ضحكتها مازالت تنخر عظمي مازال خيالها يلبسني يلتحف روحي المتعبة  ويزيد في ألمي  ويزيد في وجعي أحاول أن أنسى أن أتلهى عن زمن قد حفر بأنياب من عشق أخاديدا موغلة في النفس مازالت تلك الآهة الصادرة حين أوجعها تصريحي تستوطن صدري كسكين من ألم فيه قد غرس مازال الحنين يعيد إليّ الذكرى وتلك المصادفة اللذيذة الحلوة مازلت أهرب إلى الخيال يحصنني حين يستبد بي شوقي للحبّ أحارب كي أمضي في درب جديد يشغلني عن التذكر والحزن عن النبش في أحافير الأيام الهاربة  عن القعود على هضاب الطلل المنسي  عن الرسائل المودعة في صناديق الأفئدة مازالت روحي معلقة  ومازالت موقدة ناري أزاميل قد دقت بين أضلاعي  لم تنسف أسافين الهجر مواقعها تقاطرت منها روحي شاردة والتصقت ببنيانك المشيد من لهفة مزال الحنين يسكنني  وبقايا صوت يتردد في أذني. ____________________________________ بلال عرباوي    ٢٠٢١/٠٣/٠١

القدوة الحسنة والشهرة السريعة

  القدوة الحسنة والشهرة السريعة ١٠٠ ألف منقطع عن التعليم في تونس سنويا رقم مفزع إذا ما قرن بأسباب أخرى ومنها خاصة غياب الطموح الدراسي والنظرة السوداوية للشهادات العلمية التي أصبحت عبئا على حاملها ومنه انطلق الشباب في تحصيل الشهرة والاقتداء بعالم الافتراضيين الشاسع.   إن التطور السريع للعالم وخاصة التكنولوجي منه جعل من طريق الشهرة طريقا قصيرا واستسهله الجميع لبلوغ الأضواء الساطعة والبرهجة اللامعة وهذا ما أثر على الجيل الصاعد الذي رأى فيها طريقا مختصرة وهدفا سريع التحقق على عكس الارتقاء العلمي والنبوغ الفكري ولئن كان الإبداع ضرورة ثقافية وحضارية فإن تتفيهه وترذيله يعبر عن ثقافة منتكسة وقاصرة عن انتاج القيمة.  في تونس الحرية انتشرت الوسائط الاجتماعية بعد ملحمة ٢٠١١ لينعم الشعب بحرية تامة جسدتها طفرة في الانتاج الفني واكتساح عالم اليوتوبرز والمدونين والفنانين للمجال الثقافي وبما أن هذه المنصات سريعة الانتشار كان بروزهم صاروخيا وشهرتهم واسعة مما حدى بالجيل الأقل سنا تتبع خطواتهم وجعلهم قدوات ومقامات يريدون وصولها ومما زادة في الطينة بلة أن الدولة لم توفر لهذا الجيل أي أفق للدراسة والرغبة في

التسول من الشارع إلى أروقة الفايسبوك

 التسول من الشارع إلى أروقة الفايسبوك كنت منذ سنوات أتعجب من ظاهرة التسول الّتي انتشرت بكثرة انتشار النار في الهشيم وكنت أشاهدها بحيرة كيف لا؟! وأغلب هؤلاء قادرون جسديا على العمل وتحصيل قوتهم اليومي دون عناء "الطلبة" وإذلالاها المتكرر. المثير أن هؤلاء أو البعض منهم كان يصر على مساومتك في ما قد تجود به، حين يسألك رغيف خبز أو قارورة ماء أو غيرها، لا يرديها عينية وإنما يساومك لأخذ ثمنها نقدا وإن أصررت على شرائها بنفسك وتقديمها له يستكبر ويدير عنك وجهه ويذهب.  اللافت أيضا وجود الأطفال القصر والرضع في أحضان أمهات( أشك أحيانا أنهن لسن أمهاتهم) وتلك المناشادات الحادة والمبالغ فيها حتى تقطع نياط قلبك وتهز أركانك، فحين تستمع لإحداهن وهي تستعرض موهبتها في فن استدرار العواطف والضغط القلبي الذي تمارسه على إحساسك وفؤادك لتقود يدك صاغرة إلى ثنايا جيبك فتمدها بما جاد به عطفك ورحمتك لهذه "الأم" المعذبة ولطفلها اليتيم( أغلب صرخاتهن المؤلمة أنّ أطفالهن أيتام وبلا عائل) تتبين أنها نغمات محفوظة ومتكررة فما أن تبتعد عن هذه الّتي يُتِّمَ طفلها حتى تعترضك أخرى تعيد نفس المشهد والكلمات وكأ

قناع المنقار

قناع المنقار في ظل انتشار وباء كورونا والتزام شعوب العالم بارتداء الأقنعة الواقية أردنا البحث في تاريخها وتقديم نبذة عنها ومما شد انتباهنا القناع ذو المنقار والذي اعتمده دي لورمي الطبيب الفرنسي لاجتناب العدوى خلال طاعون القرون الوسطى الذي ضرب فرنسا والعالم بأسره. صورة توضيحية: قناع المنقار منشأه عند انتشار الطاعون في فرنسا سنة ١٦١٩ بحث الطبيب دي لورمي عن طريقة فعالة للوقاية من المرض وابتكر لباسا يحميه من التعرض لملامسة المرضى وهو عبارة عن لباس طويل مع قفازات وقناع مشمع وما خلد اسمه في التاريخ هو ابتكاره لقناع على شكل منقار طائر زوده بفتحتين ملأهما بأعشاب عطرية لظنه أنها تقاوم العدوى المنتشرة في الهواء. التسمية وهكذا سمي دي لورمي بطبيب المنقار وبقي اسمه مدونا على صفحات التاريخ وها نحن بعد أربعة قرون نطالع طريقته المستحدثة لتنجب العدوى ونثبت مرة أخرى أن الحاجة أم الاختراع وأن الكائن البشري عند وجوده في بيئة مناسبة لتفجير طاقاته الكامنة واستدرار زبدة قواه العقلية الّتي حباه الله بها يصبح كائنا مبدعا وفكرا وقادا وقلبا نابضا بهموم الانسان. _________________________________________________

بين الأمس واليوم

  بين الأمس واليوم الفراغ  بين الأمس واليوم صار مختلفا  أمس كنت وحيدا  أداعب عقارب الساعة بتخاذل أصلا لا أعرف في أي وقت أنا  الليل  لم يعد مهجعا وفراشا  ولم يعد ذلك الطائر الذي يحوم بسكينته علينا  بالنسبة لي  أصبح لغما مؤقتا ينفجر في قلبي كلما نامت الشمس اليوم صار الفراغ مضاعفا وكأنني ملأت صلصالا طريا  تخللني كصمغ النحلات العاملة  ثم اقتلعت من نفسي  كقالب جبس أو رصاص مبرد ولم أنس قنابل الوقت التي تأز رأسي والعطش الذي تمكن من حنجرتي  وكأن ريقي الذي اتبلعه صار جافا  أو كأنه امتص مع الصلصال الذي أفرغ مني هي، كانت ثورة وحربا  احتلت أوقاتي الخمسة  فراغي، صحوي، نعاسي، نومي وأحلامي  وملأت كل ثقوب روحي والآن أنا فارغ منها ومني وحتى الليل الذي كنت أفرغ فيه منابع روحي أصبح ثقيلا ككوكب مظلم لا شموسه تشرق ولا أقماره تبزغ _______________________________________________

ساعتها العاشرة

 ساعتها العاشرة هذا الوقت وقتها عدلت ساعتي العاشرة من الليل الطويل على ايقاعها حين تأتي ولا يأتي صوتها ويظل هاتفي على وضعه الساكن  ويطول الصمت  وأنا صمتي كثير كأيامي الفانية  من دون بصمة أو ايقاع أو إثارة أو همسة حانية  عدلت أوتار قلبي على ساعتها العاشرة أحببت ذلك الامتلاء  أحببت مشاحنات عابرة أحببت تلك النبرة في صوتها وودت لو أنها امتدت إلى ما لا نهاية  وددت أن تكون رفيقتي  وأن تكتمل حياتي بوجودها  ولكن محابسي أنهكتني وهواجسي تلك التي نشأت مع كل يوم تأتني فيه على الساعة العاشرة كبرت وصارت كغول الأقاصيص تلتهم عالمي وأنشبت مخالبها في قلبي حتى أدمت فؤاده وانتزعت مني ساعة سعادتي العاشرة ورطتني في ساعتها  ثم كان الرحيل المرير وكان البكاء والنشيج آخر كلمات ساعتها الأخيرة  وكنت أنا من طلب الرحيل فطريقي مازال ترابا  والأحجار تدمي ساقها  وهي لا تقدر على المواصلة أفلتها كطفل رق لرؤية عصفوره الجميل مسجونا في قفص لا يطير أو كزهرة مزروعة في أصيص يمسك جذورها  يمنع عنها الترعرع و الانسياب  ولكن حين تأتي ساعتها  الساعة العاشرة  يحن قلبي للانغماس في تلك التفاصيل الصغيرة  وأشعر أنني نخلة خاوية على عروش